Politics

على خطى" تكوميت" ..... السفر عبر الزمن

 

بمجرد أن تصل إلى قصر "تاغيت" العتيق،

 

يشد انتباهك عند مدخل القصر شخص كأنه فر من حكايات ألف ليلة و ليلة بلباسه التقليدي، لتبدأ معه حكاية و سفرا إلى الماضي عبر الزمن.

 

هو المرشد السياحي، عبد الخالق المدعو " تكوميت" أي الخنجر الفضي.

 

فبمجرد أن يرحب بك.. ينطلق بك دون انتظار إلى صفحات تاريخ ناهزت ال800 سنة من الوجود، يقلبها

ليقص عليك قصص من التراث القديم، لأناس سكنوا قصر "تاغيت" العتيق، و يتركك لتعيش تلك الأوقات.

 

تبدأ القصة من فم القصر و هو المدخل الرئيسي لقصر تاغيت العتيق، لتقابلك ساحة تسمى ساحة الجماعة أو الرحبة.

 

من هنا بالذات ... تبدأ الحكاية..

 

تجلس في مايسمى "دكانات" في الرحبة، و هي أماكن مخصصة للجلوس، مستمعا إلى "تكوميت"، يحكي عن القصر، و قدمه الذي ناهز ثمانية قرون، و كذا تشييده من طرف الأمازيغ، و عن وجود مدخل جهة الجنوب يسمى "فم القصر" و مخرج جهة الشمال يسمى "راس السلوم"، 

و عن اصل تسمية القصر بقصر "تاغيت" نسبة الى كلمة "تاغت" أو الحجرة بالامازيغية، فالقصر كله مشيد على حجرة ضخمة.

 

أما عن تسمية "الرحبة" فيحدثنا "تكوميت" على أن هذا المكان، خصص لعقد الاجتماعات أو مجلس الشورى لكل سكان القصر، كما تستغل "الرحبة" للترحيب بالضيف و استقباله و اكرامه.

 

كما تستغل "الرحبة" صباحا كسوق، لعرض السلع و مقايضتها، فلابد من ذكر أن "تاغيت" كانت منطقة عبور للقوافل من الشمال متجهة الى الجنوب منذ القدم، فعرفت كمركز تجاري.

 

 

 كما يسترسل في قص يوميات سكان القصر سابقا، يحكي عن الحرمة و عن تعاون السكان فيما بينهم، و طريقة احتكامهم لكبيرهم في كل شأن.

 

يحكي كيف كانت النسوة، يقمن بالاجتماع و تبادل اطراف الحديث، في " المڨيزرة" و هي المكان المخصص للنساء فقط للإلتقاء فيه.

.

و كيف كانت النسوة تستخدم حفرا في أرضية القصر كمهراس، لطحن و هرس التوابل و العقاقير. 

 

مسترسلا في أحاديثه حتى يخيل إلى المستمع أنه يعيش تلك الحقبة.

 

و يأخذنا في جولة عبر أزقة القصر وصولا إلى حجرة البارود.

 

و هي عبارة عن حفرة في أرضية القصر تشبه الى حد كبير حفر هرس التوابل للنسوة.

 

و التي كان الرجل التاغيتي يصنع البارود فيها سابقا بطريقة يدوية من الملح و الكبريت في حجرة البارود، و رماد شجرة التين.

 

و يواصل مرشدنا " تكوميت" الجولة ، إلى درب "النوادر" و هو زقاق من أزقة قصر "تاغيت" العتيق.

وصولا إلى الدار أو البيت الذي استضاف أربعة اجزاء كاملة من العمل الفني الرائع "حجا" للممثل القدير "حكيم دكار".

و التي هي حاليا عبارة عن دار ضيافة، حالها كمعظم ديار قصر تاغيت بعد هجره من طرف سكانه.

 

واصلنا الرحلة، في دروب القصر، منتعشين برودة المكان، كون كل بناياته مشيدة من مادة الطين التي تحافظ على البرودة.

 لنصل إلى درب "أحفير" و هو كسابقه درب "النوادر" تتواجد به بعض دور الضيافة، و الذي كان ماهولا بساكنيه فيما سبق.

 كما يبرز لنا من خلال زيارة أزقة و دروب القصر، فن الهندسة المعمارية المتقن لسكان القصر، و ذلك من خلال اسوار البيوت المثقوبة ثقب صغيرة لادخال البرودة، و الحفاظ على درجة الحرارة صيفا و شتاءا.

 و كذا طريقة استغلال مياه الأمطار المتساقطة لسقي واحة نخيل تطل عليها شرفات القصر، في تناسق رائع زادها جمالا.

 

واصلنا السير إلى أن وصلنا إلى بيت مؤسس قصر "تاغيت" "محمد أورابح"، متجهين إلى باب" النوادة".

اين عرفنا "تكوميت" على قبائل "الروابح" و قبائل "ولاد احمد".

 

بعد انتهاء الزقاق، وجدنا أنفسنا بمدخل درب"الحناين".

 

يقابل هذا المدخل مسجد القصر القديم سمي بالمسجد العتيق، و الذي توسط قصر "تاغيت"، مبرزا تشبه السكان بالدين الاسلامي.

 

و بذكر درب" الحناين"،

.

قص لنا "تكوميت" أن في هذا الدرب كان يوجد فرن جماعي، أين تقوم النسوة بتحضير عجينة الخبز او مأكولاتها، و تأتي إلى هنا في طابور عائلي و تنتظر دورها لطهيه، فإن نودي عليها من طرف أهل بيتها، تترك ما أتت لطهيه مع من تكون قبلها، فتقوم هذه الأخيرة بالوقوف على طهيه لها عن طيب خاطر، محققة اجمل صور التضامن و التظافر.

واصلنا السفر عبر الماضي الجميل، إلى بئر تم تشييده خصيصا لنسوة القصر، لملأ حاجاتهن من المياه، بمدخل منفرد و مخرج منفرد خاص بالنساء.

هذا الشيء الذي أبرز احترام الأولين و حفاظهم على جانب الحرمة و حسن الجيرة، و تعظيمهم للمرأة المسلمة، و تعزيزهم لها.

 

من بئر النسوة، سلكنا زقاقا أوصلنا إلى "راس السلوم"، و هو المخرج من القصر، باب تليه عشرات الدرجات إلى الأسفل، تؤدي بك إلى واحة غناء من النخيل الباسقة، 

مشينا برفقة مرشدنا في ارجاء الواحة بين النخيل ، نتمتع بظلالها، و نشاهد جمال ماخلق رب العزة، منتعشين بالنسيم العليل.

قطعنا الواحة الغناء مشيا على الأقدام وصولا إلى واد "الساورة"، الذي يمر بمحاذاة قصر"تاغيت"،

أين تعود تسمية هذا الواد حسب "تكوميت" بواد "الساورة" و التي كانت واد "الأساور" سابقا، إلى مصطلح الأساور التي كانت تتحلى بها نسوة المنطقة في أيديهن، و عند قدومهن لملأ حاجاتهن من المياه، أو غسل حاجياتهن، تسقط الأساور من أيديهن في الواد، فسمي على هذا الأساس.

 واصلنا المشي، و كان الوقت يقارب غروب الشمس، فدعانا "تكوميت" إلى حضور و الاستمتاع بأجمل غروب شمس، على قمة جبل "بارون" و الذي يساوي ارتفاعه حوالي 800متر، الأمر الذي استغربناه، لوعورة المنطقة، إلا انه طمأننا، و أخبرنا أن الوصول إلى قمته سهل جدا.

 فحقيقة بعد حوالي 20 دقيقة من المشي من سفح الجبل إلى قمته، وصلنا إلى أعلى مكان في "تاغيت"، أين أنسانا المشهد الرائع للمدينة ككل و لغروب الشمس، بعض التعب الذي لاقيناه في الصعود إلى القمة.

 

 خاصة بعد جلسة شاي صحراوي رائعة أعدها لنا شخص آخر يسمى "بيغي"، سنقص حكايته لاحقا.

 

 من هذا الموقع بالذات، يمكنك رؤية ابداع الخالق فترى مدينة "تاغيت" الجوهرة، و على يمينها سلسلة من الجبال من اللون البني مسترسلة إلى الجنوب، و على يسار المدينة سلسلة من الكثبان الذهبية الرملية مسترسلة إلى الجنوب.

 لترسم لنا لوحة ربانية لا تحكى بل تعاش.

 

 فمتى نتيقن أن هذه البلاد هي أجمل البلدان في العالم؟ 

 

 ✍رضا حمادوش

Share Article