القلم سلاحٌ ذو حدّين

يونا ونوس.
ليس عنوان هذا المقال للترهيب أو الحث للابتعاد عنها… المهنة الأكثر شغفاً ..الأكثر متعة…الأكثر قرباً من معاناة الإنسان…تنقل حكاياه ..تخبئُ أسراره …تقف إلى جانب المظلوم ضد الظالم…ترفع من شأن المجتمعات…تعزز الوعي المجتمعي ..تنشر ثقافة المحاسبة وكشف الحقائق… لكن الواقع مختلف مع إعلان أرقام وحقائق من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين والذي عقد في يوم الثاني من شهر تشرين الثاني نوفمبر في فيينا.
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في قرارها 68/163 الذي حثت حث القرار الدول الأعضاء على تنفيذ تدابير محددة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب الحالية وقد اختير التاريخ احتفالا باغتيال صحفيين فرنسيين في مالي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 .
ويدين هذا القرار التاريخي جميع الهجمات والعنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام. وتحث أيضا الدول الأعضاء على بذل قصارى جهدها لمنع العنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام، وكفالة المساءلة، وتقديم مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام إلى العدالة، وضمان حصول الضحايا على سبل الانتصاف المناسبة. وتطلب كذلك إلى الدول أن تعمل على تهيئة بيئة آمنة وتمكينيه للصحفيين لأداء عملهم بصورة مستقلة ودون تدخل لا داعي له .
منذ عام 2016 وحتى نهاية 2020، قُتل 400 صحفي في أثناء أداء أعمالهم أو بسببها. سُجن 274 صحفيا في عام 2020، وهو أعلى معدل سنوي على مدى ثلاثة عقود. لا تتجاوز الحالات المحسومة قضائيا نسبة 13 في المئة من الحالات التي سجلتها يونسكو منذ عام 2006. تعرضت 73 في المئة من الصحفيات اللواتي شُملن في الاستطلاع للعنف عل الإنترنت في أثناء أداء أعمالهن(1).
تشير بيانات جديدة صادرة عن اليونسكو إلى أنّ المعدل العالمي للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين لا يزال مرتفعا إلى حدّ صادم إذ يبلغ 86 في المائة. وجددت المنظمة نداءها لاتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل ضمان التحقيق على النحو الملائم في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وضمان تحديد هوية مرتكبيها وإدانتهم.
يقول موقع «مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»(2): «يترتب على الصحفيين في العالم العربي التغلب على تحديات هائلة لدى تغطية القصص المتعلقة بحقوق الإنسان، وغالبًا ما يواجهون تهديدات بالقتل والسجن والطرد، ويتعرضون للابتزاز وعروض الرشاوى وغير ذلك بشكل يومي». وينقل الموقع عن صحفي من المنطقة قوله: «يشجع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المزيد من التقارير حول حقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة العربية.
ولسوء الحظ ، فإن العديد من هؤلاء الصحفيين الذين تحدوا، من خلال كتاباتهم، القواعد الحالية وطالبوا بممارسة السلطة الرسمية بشكل عادل وإنساني تعرضت للترهيب وحتى القتل خلال العقود العديدة الماضية».
وحتى ما سُمي «الصحافة البديلة» أو «صحافة المواطن» التي تم تصوّرها على أنها ترتاد مجالات أرحب للتعبير عن الرأي، لم تنجُ طويلاً قبل اعتقال السلطات الفضاء الإلكتروني الذي تنشط فيه.
أمام هذه الأرقام الصادمة لما يمارس على كل صحفي من ضغوط مختلفة تصطدم مبادئ العمل الصحفي ومبادئ حرية التعبير ومواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بذلك.
تعتبر حرية الإعلام من الحريات الأساسية التي أولتها الدساتير والتشريعات العالمية اهتماماً، فهي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية والتي تتمثل بالعديد من الصور ومنها حرية الصحافة والطباعة والنشر. وقد شهد العمل الصحفي والإعلامي في عصرنا الحالي صوراً عديدة من الرقابة والعراقيل التي جاء معظمها في صورة القيود ما أثر سلباً على الصحفيين بشكل مباشر وعلى أدائهم الصحفي والإعلامي، وهذا الأمر دفعنا لضرورة تسليط الضوء على مواطن الخلل التشريعية أينما وجدت وإيجاد التوصيات القانونية لتصويبها كلما دعت الحاجة لذلك وصولاً إلى إيجاد بيئة اعلامية لتمكين الصحفيين من ممارسة العمل.
لكن حرية التعبير أصبحت مُهددة بشكل مُتزايد في الآونة الأخيرة. فمن ناحية، يتزايد عدد الحُكّام المُستبدّين في جميع أنحاء العالم، ومعهم الملاحقات القضائية لوسائل الإعلام المُستقلة والناشطين الاجتماعيين. ومن ناحية أخرى، يفرض الحجم والتأثير المُتزايد لشركات التكنولوجيا الكبرى تحديات جديدة للأنظمة الديمقراطية القائمة. وقد تَجَسَّد مزيج هذين التحديين – القادة ذوو الميول الاستبدادية ووسائل الإعلام الحديثة – كُلّية من قِبَل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب(3).
لكن قرار موقعي ‘تويتر’ و‘فيسبوك’ للتواصل الاجتماعي إغلاق حساب ترامب تَرَكَ أيضاً أسئلة مُهمة دون إجابات. مثلاً: “هل ينبغي أن تكون الشركات الخاصة مسؤولة عن التَحَكُّم في الخطاب غير المقبول؟ ما هو الحَد الفاصل بين خطاب الكراهية وحُرّية التعبير؟ وهل تؤدي الشركات الإعلامية إلى تآكل حرية الصحافة التَعَدُّدية والمُستقلة؟(3)
ويقول الكاتب جيسون رضائيان في «الواشنطن بوست»(4): «غالبًا ما تُستخدم القوانين الموضوعة ظاهريًا لحماية الأمن القومي، أو مكافحة الإرهاب، أو وقف المعلومات المضللة، لاستهداف الصحافة الناقدة والنشاط عبر الإنترنت -وقد أصبحت هذه ظاهرة عالمية. في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، تم استخدام هذه القوانين بشكل متزايد لسجن الصحفيين وإسكاتهم. وأصبح حتى الإعجاب بمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاركتها في بعض البلدان سببًا لاتهام المرء بالتحريض على الفتنة».
إذا لم تكن الصحافة ناقدة، وإذا لم تستطيع حتى توصيف الحقائق المطروحة على قارعة الطريق، وإذا لم توسّع الآفاق المعرفية للناس أو توصل الناس لصُناع القرار، فما هي ولماذا هي؟ في الحقيقة، تُركت لها وظيفة وحيدة هي نقل «حقيقة» محددة سلفاً ومفروضة. وحتى إذا أتيح لها أن تعرف، فإنها ملزمة بالاحتفاظ بما تعرفه لنفسها. وإذا كانت تُعتبر في الأدبيات «سلطة رابعة»، فإنها أضعف السلطات جميعاً ومفروض عليها الخضوع لبقية السلطات.
أما مع اعتبار الصحافة أحد المنابر الأساسية التي تعمل على تبصير الرأي العام بالعديد من الموضوعات والقضايا المختلفة على الصعيد العام، ولعلها تعمل على كشف بعض القضايا أمام الرأي العام، برزت أهمية الصحافة باعتبارها هي مقياسا للمجتمع وتعمل على توضيح المشاكل المختلفة التي تواجه المجتمع، وبالتالي ونظرا لأهمية الصحافة بات من الضروري أن تكون للعاملين في الصحافة الحرية الكافية من أجل أداء المهام الموكلة لهم بشكل أساسي ولهذا جاءت فكرة حرية الصحافة.
إن حرية الصحافة من الحقوق الأساسية التي نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية ولعل هذا الحق هو وثيق الصلة بالحق في حرية الرأي والتعبير، ولعل الصحافة هي من المهن الأساسية التي تمت مارستها منذ العصور القديمة، ونظرا لكون الصحفيين من الفئات المستهدفة في بعض الأحيان من قبل الأنظمة الحاكمة، فقد تم التركيز بشكل واضح على حماية حقوق هؤلاء الصحفيين من أجل وضع الضمانات اللازمة لهم لضمان ممارسة حقهم بشكل فعلي.
ومن القوانين المختلفة التي أكدت على حرية الصحافة التعديل الأول المضاف إلى الدستور الأمريكي والذي تم التأكيد عليه في 17/9/1787 والذي نص بشكل واضح على حرية الصحافة حيث أكد هذا القانون على أن (لا يصدر من الكونجرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو بمنع حرية ممارسته أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة أو من حق الناس في الاجتماع بشكل سلمي وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف الذي لحق بهم بشكل واضح للغاية(5).
قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن العديد من الصحفيين فقدوا حياتهم أثناء تغطية النزاعات، ولكن عدد العاملين في وسائل الإعلام الذين قُتلوا خارج مناطق النزاع قد ارتفع في السنوات الأخيرة.
وقال: “أصبحت حياة الصحفيين مهددة بالخطر في بلدان عديدة لمجرد قيامهم بالتحقيق في قضايا الفساد أو الاتجار أو انتهاكات حقوق الإنسان أو القضايا البيئية.”
وأوضح أن تقديرات اليونسكو تشير إلى أن تسع حالات تقريبا من بين كل 10 حالات يُفلت فيها الجناة من العقاب، مضيفا أن الصحفيين يواجهون تهديدات أخرى لا حصر لها، منها الاختطاف والتعذيب والاحتجاز التعسفي، ومنها حملات التضليل والمضايقة، ولا سيّما في المجال الرقمي. “وتواجه الصحفيات بشكل خاص خطر التعرّض للعنف على الإنترنت.
وفي الختام يبقى نداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في اليوم العالمي للإفلات من العقاب ضد مايرتكب من جرائم بحق الصحفيين معلقا على أمل أن تلتزم الحكومات والأنظمة بمعايير ومواثيق حماية الصحفيين وأن يكون هناك مساعي جدية لحماية الصحفيين في كل أصقاع العالم.
المراجع:
- https://news.un.org/ar/story/2022/11/1114917.
- https://shortest.link/8Yc2
- يانينا ويلب، باحثة في مركز ألبرت هيرشمان للديمقراطية التابع لمعهد الدراسات الدولية العليا والتنمية في جنيف، ومنسقة تحرير مجلة “Agenda Pública”
- https://shortest.link/8Yca
- نادية إبراهيم أحمد، “الصحافة وحرية التعبير: دراسة تأصيلية مقارنة بين الإسلام والفكر الغربي”، مجلة دراسات دعوية، العدد 16 (يونيو، 2008.
صدق من قال القلم سلاح ذو حدين