فاطمة سهلي طنجة المغرب
باغت فايروس كورونا المستجد العالم بسرعة تفشيه ولم يعدْ هناك بلدُ بمنأى عن تداعياته ولم يتوقع العلماءُ في البداية بأنَّ هذا المارد الصغير الذي خرج من قمقمه الصغير سيغزو القارات البعيدة ويقطع أوصال المجتمعات وصارت أخبار هذا الفايروس تملا الدنيا وتشغل العالم وطال تأثير الصدمة جميع المرافق الاقتصادية والسياحية والثقافية ولم يقتصر على هذا بل انعكس سلبا على المستوى النفسي والصحي للأفراد ووجدت الحكوماتُ نفسها مطالبة بالقيام بإجراءات لم تكن في اجندتها ، بعد ما بوغتت بارتفاع مهول لأرقام المصابين بكورنا واتساع جغرافية انتشار العدوى فأعلنت على اثره منظمة الصحة العالمية بأنَّ هذا الوباء بات عالميا وتزايدت المدن الموبوءة وتبدلت سلوكيات الحياة العادية وأصبحت الشوارعُ خالية من المارة وتم إلغاء ممارسة الطقوس والشعائر الدينية في دور العبادة وتم ايقاف الانشطة الثقافية والرياضية وركنت الناس إلى منازلها وازداد التوتر في التصاعد واصبح لا يعلو صوت على صوت كورونا في وسائل الإعلام ناهيك عما يضخُ في الوسائط الإلكترونية من اعمال ادبية تتناول الأوبئة الجانحة والهدف من هذا بالأساس هو التخفيف من حدة التوتر بوصفها عاملاً مساعدا لاستعادة التوازن النفسي وتذكير البشرية على ضرورة الانخراط في الحرب الضروس ضد الاوبئة والأمراض المميتة وان عليها كسب هذه الجولةً ولو بخسائر فادحة من اجل بناء حضارة جديدة لتبدأ دورة الحياة الطبيعية من جديد علما بان كل شيءِ يحدث الان انما كان يحدث هكذا فيما مضى وسيظل يحدثُ كذلك في المستقبل وهو ما سيزيد من اكتساب مناعة الإنسان عبر الازمنة في تحمل التقلبات البيئية والقدرة على التأقلم مع الظروف وإثبات تمكنه من تحويل العوائق إلى ارادة لإنجاز المزيدٍ من التطور في المجالات العلمية واتخاد التدابير الاحترازية لمثل هذه النوائب المفاجئة لان الضربة التي لا تميت فإنها تقوي واثر هذا تغيرت الأولويات الاقتصادية، السياسية والاجتماعية في كل بقاع العالم .
في المغرب دفع تفشي الوباء بالحكومة المغربية إلى فرض حالة الطوارئ مع تزايد حالات الإصابة مما أثر على قطاعات عديدة، والتي تزامنت مع أزمة الجفاف التي هددت المحاصيل الزراعية. الشيء الذي اوجب اتخاذ مجموعة من التدابير لتجاوز وتخفيف الأزمة على الاقتصاد الوطني والتقليص من الأضرار الآنية والتأثيرات المستقبلية لتفشي هذه الجائحة وايجاد البدائل للخروج من هذه الأزمة الصحية وتجربة كل السبيل للتعافي من مخلفات هذا الوباء
وبالعودة إلى تاريخ الأوبئة في المغرب، نستشف أن كورونا ليست بالجائحة الجديدة على البلاد، فقد عبر تاريخه موجات من الجوائح والأوبئة، والتي كان لها وقع خاص على الاقتصاد والمجتمع المغربي، والتي ظلت راسخة في الوجدان والذاكرة الشعبية ومن أهم هذه الأوبئة والجوائح طواعين منتصف القرن 18 ومطلع القرن 19. وقد عمت هذه الطواعين مختلف ربوع المدن الكبيرة فتعددت الروايات بخصوص مصدرها، إلا أن أرجحها ربطها بالقوافل التجارية. وقد كانت أعراضها تتوزع بين الحمى والقشعريرة والقيء وطفح جلدي. كما تفاوتت قوة فتكها حسب المدن التي اجتاحتها مخلفة عشرات الوفيات اليومية وموقعة مئات من القتلى، وعاودت الظهور مع نهاية العشرينات من القرن الماضي شانها شان العديد من الأوبئة التي تلتها والتي ظلت تبصم التاريخ الصحي للمغاربة بشكل خاص والبشرية جمعاء
وكان أخرها جائحة كوفيد- 19 في المغرب انتشرت العدوى وتم تسجيل إصابة حالات محلية واستمر العدد في التزايد على الرغم من اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية. حفاظا على صحة وسالمة المجتمع ، حيث تقرر إعلان "حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة واتخاد تدابير استباقية
وأحدت هذا الظهور المفاجئ والانتشار الواسع السريع للوباء اثارا وخيمة على العديد من القطاعات الاقتصادية حيث ادت الإجراءات الوقائية المصاحبة لجائحة كوفيد-19 الى الحد من الحركة الاقتصادية، وتسببت في توقف العمل ما نتج عنه وضعيات اجتماعية صعبة، بفعل انخفاض معدل التشغيل و فقدان الدخل وتراجع القدرة الشرائية، ومن خلال تراجع متوسط الدخل الشهري للمشتغلين انخفضت نفقات استهلاك الأسر حيث اميط اللثام على المستوى الهش الذي يطال فئة عريضة من الساكنة والذين يعملون في القطاع الغير المهيكل. وساهم في مفاقمة التفاوتات التي كانت موجودة وتعميق أشكال هشاشة السكان.
وتعتبر الأنشطة المرتبطة بالسياحة من بين الفروع الاقتصادية الأكثر تضررا من الجائحة، حيث تضررت بشدة من تداعيات الحجر الصحي وإغلاق الحدود فتراجع عدد السياح الوافدين واغلقت العديد من مؤسسات الإيواء ، وتوقف نشاط المؤسسات الفندقية والسياحية ،حيث ظلت رحلات السياح الوافدين معلقة، يصاحبها التردد إزاء التغيرات المحتملة والمتعلقة بالقواعد الصحية الواجب تطبيقها بعد الرفع التدريجي للحجر الصحي.
نفس الشيء عاشه قطاع النقل الجوي حيث قامت الخطوط الملكية المغربية بتسريح العديد من طواقمها بهدف تقليص نفقاتها، بسبب تأثير الجائحة. فالتطورات التي فرضتها الظرفية ألزمت اتخاذ إجراءات قاسية لضمان استمرارية ً المؤسسة، باعتماد مخطط إعادة
الهيكلة لتقليص التكاليف وتمكينها من الانطلاق مجددا
كما ساهمت جائحة كورونا في تعرية الواقع المتأزم للمنظومة الصحية بالمغرب، والتي تعاني أصالا قبل تفشي الوباء من عدة اختلالات، أضف إلى ذلك النقص الكبير في الأطقم و المستلزمات الطبية
وعلى الرغم من التعافي النسبي للاقتصاد من تداعيات الجائحة الا ان تباين مسارات التعافي يشهد عدم اليقين وتبقي افاق النمو والاستقرار متأرجحة بين التطورات الايجابية للتعافي وظهور موجات ارتدادية للعدوى وتطورات الفايروس المتجددة التي تثير القلق بشأن الاقتصاد بين الحين والأخر مما يوحي بعدم اليقين من مصير المضاعفات المستقبلية للوباء على كافة المستويات
فعلى الرغم من الانكماش الاقتصادي الحاد فإن الدعم الاستثنائي الذي قدمته الحكومة حال دون حدوث نتائج اقتصادية أسوأ وان كان بشكل خجول ويكتسب الدعم الذي تقدمه للحفاظ على الوظائف فعالية كبيرة للتخفيف من الآثار المتباينة الناجمة عنها حيث لا تزال تداعيات صدمة جائحة كورونا مستمرة على أسواق العمل، حيث ألحق تفشي الفايروس ضررا بالغا بالشباب والعمال ذوي المهارات المحدودة على وجه الخصوص.
واذا ما تم انحسار الجائحة واستقر التعافي بصورة عادية، فان هذا من شانه أن يساهم في مضاعفة كل اشكال الدعم القائمة على التخفيف من البطالة بسرعة أكبر وتيسير التكيف مع الآثار الدائمة على سوق العمل وبما ان الجائحة لا زالت مستمرة فينبغي ان تركز الحكومة في المقام الاول على الافلات من الازمة واعطاء الاولوية للإنفاق على الرعاية الصحية
وبالنظر الى عدم اليقين الكبير الذي يكتنف الافاق المتوقعة، وبما ان التعاون الوثيق بين كل الفئات عاملا حيويا لتحقيق هذه الأهداف لتضييق الفجوة بين المستويات المعيشية للسكان
ينبغي تعزيز الحماية الاجتماعية بتوسيع نطاق تأمينات البطالة حتى تشمل المشتغلين بالعمل الحر والعاملين في القطاع غير الرسمي وضمان كفاية الموارد لاحتياجات الرعاية الصحية وبرامج التعليم والتدريب المهني والاستثمار في البنية التحتية حتى تتمكن من دحر هذه الجائحة وتداعياتها قريبا
